الأحد، 17 فبراير 2013

يجوزُ أن تكوني

يجوزُ أن تكوني

يجوز أن تكوني
واحدةً من أجمل النساء..
دافئةً..
كالفحم في مواقد الشتاء..
وحشيةً..
كقطةٍ تموء في العراء..
آمرةً.. ناهيةً
كالرب في السماء..
يجوز أن تكوني
سمراء.. إفريقية العيون.
عنيدةً..
كالفرس الحرون..
عنيفةً..
كالنار، كالزلزال، كالجنون..
يجوز أن تكوني..
جميلةً، ساحقة الجمال..
مثيرةً للجلد، للأعصاب، للخيال..
وتتقنين اللهو في مصائر الرجال..
يجوز أن تضطجعي أمامي..
عاريةً..
كالسيف في الظلام..
مليسةً كريشة النعام..
نهدك مهرٌ أبيضٌ
يجري..
بلا سرجٍ ولا لجام..
يجوز أن تبقي هنا..
عاماً وبعض عام..
فلا يثير حسنك المدمر اهتمامي..
كأنما..
ليست هناك امرأةٌ.. أمامي..
يجوز أن تكوني
سلطانة الزمان والعصور..
وأن أكون أبلهاً.. معقد الشعور..
يجوز أن تقولي
ما شئت عن جبني.. وعن غروري.
وأنني .. وأنني..
لا أستطيع الحب.. كالخصيان في القصور
يجوز أن تهددي..
يجوز أن تعربدي..
يجوز أن تثوري..
لكن أنا..
رغم دموع الشمع والحرير..
وعقدة (الحريم) في ضميري.
لا أقبل التزوير في شعوري..
يجوز أن تكوني
شفافةً كأدمع الربابه
رقيقةً كنجمةٍ،
عميقةً كغابه..
لكنني أشعر بالكآبه..
فالجنس – في تصوري-
حكاية انسجام..
كالنحت ، كالتصوير، كالكتابه..
وجسمك النقي. كالقشطة والرخام
لا يحسن الكتابه.

أزرار

أزرار

وتلك بضعة أزرارٍ .. لقد كبرت
على جداري .. فبيتي كله عبق
تعانقت عند شباكي .. فيا فرحي
غداً .. تسد الربى بالورد .. والطرق
ما هذه العلب الحمراء .. قد فتحت
مع الصباح ، فسال الوهج والألق
لي غرفةٌ .. في دروب الغيم عائمةٌ
على شريط ندىً ، تطفو وتنزلق
مبنيةٌ من غييماتٍ منتفةٍ
لي صاحبان بها .. العصفور .. والشفق
أمام بابي .. نجماتٌ مكومةٌ
فتستريح لدينا .. ثم تنطلق ..
فللصباح مرورٌ تحت نافذتي
وفي جوار سريري ، يرتمي الأفق
كم نجمةٍ حرةٍ .. أمسكتها بيدي
وللتطلع غيري ، ما له عنق
يقصر الشعر من عمري ويتلفني
إذا سعيت ، سعى بي العظم والخرق
النار في جبهتي .. النار في رئتي
وريشتي بسعال اللون تختنق ..
نهرٌ من النار في صدغي يعذبني
إلى متي ، وطعامي الحبر والورق ؟
وما عتبت على النيران تأكلني
إذا احترقت ، فإن الشهب تحترق
إني أضأت .. وكم خلقٍ أتوا ومضوا
كأنهم في حساب الأرض ما خلقوا ..
***
غداً ستحشد الدنيا لتقرأني
ونخب شعري ، يدور الورد .. والعرق
اليوم بضعة أزرارٍ .. ستعقبها أخرى
وفي كل عامٍ ، يطلع الورق ..

أكتب للصغار


أكتب للصغار

أكتب للصغار..
للعرب الصغار حيث يوجدون...
لهم على اختلاف اللون والاعمار..والعيون..
أكتب للذين سوف يولدون..
لهم أنا أكتب..للصغار...
لأعين يركض في أحداقها النهار...
أكتب باختصار..
قصة ارهابية مجندة..
يدعونها راشيل...
قضت سنين الحرب في زنزانه منفردة..
كالجرذ..في زنزانه منفردة..
شيدها الالمان في براغ...
كان أبوها قذراً من أقذر اليهود...
يزور النقود..
وهي تدير منزلاً للفحش في براغ...
يقصده الجنود...
وآلت الحرب الى ختام...
وأعلن السلام...
ووقع الكبار...
أربعة يلقبون نفسهم كبار...
صك وجود الأمم المتحدة..
...وأبحرت من شرق أوروبا مع الصباح..
سفينة تلعنها الرياح...
وجهتها الجنوب..
تغص بالجرذان..والطاعون ..واليهود..
كانوا خليطاً من سقاطة الشعوب...
من غرب بولندا..
من النمسا...من استنبول..من براغ..
من آخر الأرض..من السعير..
جاءوا الى موطننا الصغير..
موطننا المسالم الصغير..
فلطخوا ترابنا...
وأعدموا نساءنا...
ويتموا أطفالنا...
ولاتزال الأمم المتحدة...
ولم يزل ميثاقها الخطير...
يبحث في حرية الشعوب...
وحق تقرير المصير...
والمثل المجردة...
فليذكر الصغار...
العرب الصغار..حيث يوجدون..
من ولدوا منهم ومن سيولدون...
قصة إرهابية مجندة..
يدعونها راشيل...
حلت محل أمي الممددة...
في أرض بيارتنا الخضراء في الخليل...
أمي أنا الذبيحة المستشهدة...
وليذكر الصغار..
حكاية الأرض التي ضيعها الكبار..
والأمم المتحدة...
أكتب للصغار..
قصة بئر السبع ..والخليل..
وأختي القتيل...
هناك في بيارة الليمون...
أختي القتيل..
هل يذكر الليمون في الرملة..
في اللد..
وفي الخليل..
أختي التي علقها اليهود في الأصيل..
من شعرها الطويل..
أختي انا نوار...
أختي انا الهتيكة الإزار...
على ربى الرملة والجليل...
أختي التي مازال جرحها الطليل...
مازال بانتظار...
نهار ثأر واحد..نهار ثار...
على يد الصغار...
جيل فدائي من الصغار...
يعرف عن نوار...
وشعرها الطويل...
وقبرها الضائع في القفار...
أكثر مما يعرف الكبار...
أكتب للصغار..
أكتب عن يافا..وعن مرفأها القديم...
عن بقعة غالية الحجار...
يضيء برتقالها...
كخيمة النجوم...
تضم قبر والدي...وإخوتي الصغار..
هل تعرفون والدي..
وإخوتي الصغار؟..
اذ كان في يافا لنا..
حديقة ودار...
يلفها النعيم...
وكان والدي الرحيم...
مزارعاً وشيخاً...يحب الشمس.. والتراب..
والله..والزيتون...والكروم...
كان يحب زوجه وبيته..
والشجر المثقل..بالنجوم...
...وجاء أغراب مع الغياب..
من شرق أوروبا..ومن غياهب السجون..
جاءوا كفوج جائع من الذئاب...
فأتلفوا الثمار..
وكسروا الغصون...
وأشعلوا النيران في بيادر النجوم...
والخمسة الأطفال في وجوم...
واشتعلت في والدي كرامة التراب...
فصاح فيهم: اذهبوا الى الجحيم...
لن تسلبوا أرضي ياسلالة الكلاب..!
...ومات والدي الرحيم..
بطلقة سددها كلب من الكلاب عليه..
مات والدي العظيم...
في الموطن العظيم...
وكفه مشدودة شداً الى التراب...
فليذكر الصغار..
العرب الصغار حيث يوجدون...
من ولدوا منهم ..ومن سيولدون..
ماقيمة التراب..
لأن في انتظارهم...
معركة التراب....

أنا والنساء

أنا والنساء

1
أريد الذهاب ..
إلى زمنٍ سابقٍ لمجيء النساء..
إلى زمنٍ سابقٍ لقدوم البكاء
فلا فيه ألمح وجه امرأه..
ولا فيه أسمع صوت امرأه..
ولا فيه أشنق نفسي بثدي امرأه..
ولا فيه ألعق كالهر ركبة أي امرأه...
2
أريد الخروج من البئر حياً..
لكي لا أموت بضربة نهدٍ..
وأهرس تحت الكعوب الرفيعة..
تحت العيون الكبيرة،
تحت الشفاه الغليظة،
تحت رنين الحلى، وجلود الفراء
أريد الخروج من الثقب
كي أتنفس بعض الهواء..
3
أريد الخروج من القن..
حيث يفرقن بين الصباح وبين المساء
أريد الخروج من القن..
إن الدجاجات مزقن ثوبي..
وحللن لحمي..
وسمينني شاعر الشعراء....
4
كرهت الإقامة في جوف هذي الزجاجه..
كرهت الإقامه..
أيمكن أن أتولى
حراسة نهدين..
حتى تقوم القيامه؟؟
أيمكن أن يصبح الجنس سجناً
أعيش به ألف عامٍ وعام
أريد الذهاب..
إلى حيث يمكنني أن أنام...
فإني مللت النبيذ القديم..
الفراش القديم..
البيانو القديم..
الحوار القديم..
وأشعار رامبو..
ولوحات دالي..
وأعين (إلزا)
وعقدة كافكا..
وما قال مجنون ليلى
لشرح الغرام...
متى كان هذا المخبل مجنون ليلى..
خبيراً بفن الغرام؟
أريد الذهاب إلى زمن البحر..
كي أتخلص من كل هذي الكوابيس،
من كل هذا الفصام
فهل ممكنٌ؟
- بعد خمسين عاماً من الحب-
أن أستعيد السلام؟؟
5
أريد الذهاب.. لما قبل عصر الضفائر
وما قبل عصر عيون المها..
وما قبل عصر رنين الأساور
وما قبل هندٍ..
ودعدٍ..
ولبنى..
وما قبل هز القدود،
وشد النهود..
وربط الزنانير حول الخواصر..
أريد الرحيل بأي قطارٍ مسافر
فإن حروب النساء
بدائيةٌ كحروب العشائر
فقبل المعارك بالسيف،
كانت هناك الأظافر!!.
*
6
كرهت كتابة شعري على جسد الغانيات
كرهت التسلق كل صباحٍ، وكل مساءٍ
إلى قمة الحلمات..
أريد انتشال القصيدة من تحت أحذية العابرات
أريد الدخول إلى لغةٍ لا تجيد اللغات
أريد عناقاً بلا مفردات
وجنساً بلا مفردات
وموتاً بلا مفردات
أريد استعادة وجهي البريء كوجه الصلاة
أريد الرجوع إلى صدر أمي
أريد الحياة...

الخميس، 14 فبراير 2013

امرأة من دخان



 

كيف فكرت في الزيارة؟ قولي

بعد أن أطفأت هوانا السنين

إجمعي شعرك الطويل .. يخيف

الليل .. هذا المبعثر المجنون

لا تدقي بابي .. وظلي بعمري

مستحيلاً ، ما عانقته الظنون

أنت أحلى ممنوعة الطيف ، خجلى

يتمنى مرورك .. الياسمين

لا أريد الوضوح .. كوني وشاحاً

من دخانٍ .. وموعداً لا يحين

ولتعيشي تخيلاً في جبيني

ولتكوني خرافةً لا تكون

إتركيني أبنيك شعراً .. وصدراً

أنت لولاي يا ضعيفة طين

ودعي لي .. تلوين عينيك إني

تتمنى ألوان وهمي العيون .

لا تجيئي لموعدي .. واتركيني

في ضلالٍ ، يبكي عليه اليقين

واحرقيني .. إذا أردت ، فإني

لا أطيق الجمال حين يلين

أنا ما دمت في عروقي همساً

فإذا كنت واقعاً ، لا أكون !


بيتي




في حرجنا المدروز شوحاً

سقف منزلنا اختفى

فانزوى .. وتصوفا

نسج الثلوج عباءةً

وبدخنةٍ من غزل مغزله

اكتسى وتلفلفا..

أتريد أن لا يعرفا..

وحدود بيتي .. غيمةٌ

حملته ألف فراشةٍ

بيتي ، فلا مات الوفا

الجريحة واكتفى ..

قطع الحصى في أرضه

كم مرةٍ ، مر الصباح

ببابه.. وتوقفا...

والمطل المشرفا..

سقفاً ، ومدخنةً

يرقى إليه الدرب

سكران الخطى متعطفا

انتهت الطريق.. تخلفا..

كم نجمةٍ دخلت علي

تركت بسور حديقتي

شال الحرير منتفا..

سقفاً ، ومدخنةً

وباباً ، ضارعاً ، متفلسفا

يرقى إليه الدرب

سكران الخطى متعطفا

حاذى الطريق .. وعندما

انتهت الطريق.. تخلفا..

كم نجمةٍ دخلت علي

تظن عندي متحفا..

تركت بسور حديقتي

شال الحرير منتفا..

السبت، 9 فبراير 2013

اغضب




إغضبْ كما تشاءُ..
واجرحْ أحاسيسي كما تشاءُ
حطّم أواني الزّهرِ والمرايا
هدّدْ بحبِّ امرأةٍ سوايا..
فكلُّ ما تفعلهُ سواءُ..
كلُّ ما تقولهُ سواءُ..
فأنتَ كالأطفالِ يا حبيبي
نحبّهمْ.. مهما لنا أساؤوا..
إغضبْ!
فأنتَ رائعٌ حقاً متى تثورُ
إغضب!
فلولا الموجُ ما تكوَّنت بحورُ..
كنْ عاصفاً.. كُنْ ممطراً..
فإنَّ قلبي دائماً غفورُ
إغضب!
فلنْ أجيبَ بالتحدّي
فأنتَ طفلٌ عابثٌ..
يملؤهُ الغرورُ..
وكيفَ من صغارها..
تنتقمُ الطيورُ؟
إذهبْ..
إذا يوماً مللتَ منّي..
واتهمِ الأقدارَ واتّهمني..
أما أنا فإني..
سأكتفي بدمعي وحزني..
فالصمتُ كبرياءُ
والحزنُ كبرياءُ
إذهبْ..
إذا أتعبكَ البقاءُ..
فالأرضُ فيها العطرُ والنساءُ..
وعندما تحتاجُ كالطفلِ إلى حناني..
فعُدْ إلى قلبي متى تشاءُ..
فأنتَ في حياتيَ الهواءُ..
وأنتَ.. عندي الأرضُ والسماءُ..
إغضبْ كما تشاءُ
واذهبْ كما تشاءُ
واذهبْ.. متى تشاءُ
لا بدَّ أن تعودَ ذاتَ يومٍ
وقد عرفتَ ما هوَ الوفاءُ...


نزار قباني

الخميس، 7 فبراير 2013

وعدتُكِ





وعدتُكِ أن لا أُحِبَّكِ..

ثُمَّ أمامَ القرار الكبيرِ، جَبُنْتْ

وعدتُكِ أن لا أعودَ.....وعُدْتْ...

وأن لا أموتَ اشتياقاً .....ومُتّْ

وعدتُ مراراً......وقررتُ أن أستقيلَ مراراً

ولا أتذكَّرُ أني اسْتَقَلتْ...

2

وعدتُ بأشياء أكبرَ منّي..

فماذا غداً ستقولُ الجرائدُ عنّي؟

أكيدٌ.. ستكتُبُ أنّي جُنِنْتْ..

أكيدٌ.. ستكتُبُ أنّي انتحرتْ

وعدتُكِ..

أن لا أكونَ ضعيفاً... وكُنتْ..

وأن لا أقولَ بعينيكِ شعراً..

وقُلتْ...

وعدتُ بأَنْ لا ...وأَنْ لا..وأَنْ لا ...

وحين اكتشفتُ غبائي.. ضَحِكْتْ...

3

وَعَدْتُكِ..

أن لا أُبالي بشَعْرِكِ حين يمرُّ أمامي

وحين تدفَّقَ كالليل فوق الرصيفِ..

صَرَخْتْ..

وعدتُكِ..

أن أتجاهَلَ عَيْنَيكِ ، مهما دعاني الحنينْ

وحينَ رأيتُهُما تُمطرانِ نجوماً...

شَهَقْتْ...

وعدتُكِ..

أنْ لا أوجِّهَ أيَّ رسالة حبٍ إليكِ..

ولكنني – رغم أنفي – كتبتْ

وعَدْتُكِ..

أن لا أكونَ بأيِ مكانٍ تكونينَ فيهِ..

وحين عرفتُ بأنكِ مدعوةٌ للعشاءِ..

ذهبتْ..

وعدتُكِ أن لا أُحِبَّكِ..

كيفَ؟

وأينَ؟

وفي أيِّ يومٍ تُراني وَعَدْتْ؟

لقد كنتُ أكْذِبُ من شِدَّة الصِدْقِ،

والحمدُ لله أني كَذَبْتْ....

4

وَعَدْتُ..

بكل بُرُودٍ.. وكُلِّ غَبَاءِ

بإحراق كُلّ الجسور ورائي

وقرّرتُ بالسِّرِ، قَتْلَ جميع النساءِ

وأعلنتُ حربي عليكِ.

وحينَ رفعتُ السلاحَ على ناهديْكِ

انْهَزَمتْ..

وحين رأيتُ يَدَيْكِ المُسالمْتينِ..

اختلجتْ..

وَعَدْتُ بأنْ لا .. وأنْ لا .. وأنْ لا ..

وكانت جميعُ وعودي

دُخَاناً ، وبعثرتُهُ في الهواءِ.

5

وَغَدْتُكِ..

أن لا أُتَلْفِنَ ليلاً إليكِ

وأنْ لا أفكّرَ فيكِ، إذا تمرضينْ

وأنْ لا أخافَ عليكْ

وأن لا أقدَّمَ ورداً...

وأن لا أبُوسَ يَدَيْكْ..

وَتَلْفَنْتُ ليلاً.. على الرغم منّي..

وأرسلتُ ورداً.. على الرغم منّي..

وبِسْتُكِ من بين عينيْكِ، حتى شبِعتْ

وعدتُ بأنْ لا.. وأنْ لا .. وأنْ لا..

وحين اكتشفتُ غبائي ضحكتْ...

6

وَعَدْتُ...

بذبحِكِ خمسينَ مَرَّهْ..

وحين رأيتُ الدماءَ تُغطّي ثيابي

تأكَّدتُ أنّي الذي قد ذُبِحْتْ..

فلا تأخذيني على مَحْمَلِ الجَدِّ..

مهما غضبتُ.. ومهما انْفَعَلْتْ..

ومهما اشْتَعَلتُ.. ومهما انْطَفَأْتْ..

لقد كنتُ أكذبُ من شدّة الصِدْقِ

والحمدُ لله أنّي كَذَبتْ...

7

وعدتُكِ.. أن أحسِمَ الأمرَ فوْراً..

وحين رأيتُ الدموعَ تُهَرْهِرُ من مقلتيكِ..

ارتبكْتْ..

وحين رأيتُ الحقائبَ في الأرضِ،

أدركتُ أنَّكِ لا تُقْتَلينَ بهذي السُهُولَهْ

فأنتِ البلادُ .. وأنتِ القبيلَهْ..

وأنتِ القصيدةُ قبلَ التكوُّنِ،

أنتِ الدفاترُ.. أنتِ المشاويرُ.. أنت الطفولَهْ..

وأنتِ نشيدُ الأناشيدِ..

أنتِ المزاميرُ..

أنتِ المُضِيئةُ..

أنتِ الرَسُولَهْ...

8

وَعَدْتُ..

بإلغاء عينيْكِ من دفتر الذكرياتِ

ولم أكُ أعلمُ أنّي سأُلغي حياتي

ولم أكُ أعلمُ أنِك..

- رغمَ الخلافِ الصغيرِ – أنا..

وأنّي أنتْ..

وَعَدْتُكِ أن لا أُحبّكِ...

- يا للحماقةِ -

ماذا بنفسي فعلتْ؟

لقد كنتُ أكذبُ من شدّة الصدقِ،

والحمدُ لله أنّي كَذَبتْ...

9

وَعَدْتُكِ..

أنْ لا أكونَ هنا بعد خمس دقائقْ..

ولكنْ.. إلى أين أذهبُ؟

إنَّ الشوارعَ مغسولةٌ بالمَطَرْ..

إلى أينَ أدخُلُ؟

إن مقاهي المدينة مسكونةٌ بالضَجَرْ..

إلى أينَ أُبْحِرُ وحدي؟

وأنتِ البحارُ..

وأنتِ القلوعُ..

وأنتِ السَفَرْ..

فهل ممكنٌ..

أن أظلَّ لعشر دقائقَ أخرى

لحين انقطاع المَطَرْ؟

أكيدٌ بأنّي سأرحلُ بعد رحيل الغُيُومِ

وبعد هدوء الرياحْ..

وإلا..

سأنزلُ ضيفاً عليكِ

إلى أن يجيءَ الصباحْ....

*

10

وعدتُكِ..

أن لا أحبَّكِ، مثلَ المجانين، في المرَّة الثانيَهْ

وأن لا أُهاجمَ مثلَ العصافيرِ..

أشجارَ تُفّاحكِ العاليَهْ..

وأن لا أُمَشّطَ شَعْرَكِ – حين تنامينَ –

يا قطّتي الغاليَهْ..

وعدتُكِ، أن لا أُضيعَ بقيّة عقلي

إذا ما سقطتِ على جسدي نَجْمةً حافيَهْ

وعدتُ بكبْح جماح جُنوني

ويُسْعدني أنني لا أزالُ

شديدَ التطرُّفِ حين أُحِبُّ...

تماماً، كما كنتُ في المرّة الماضيَهْ..

11

وَعَدْتُكِ..

أن لا أُطَارحَكِ الحبَّ، طيلةَ عامْ

وأنْ لا أخبئَ وجهي..

بغابات شَعْرِكِ طيلةَ عامْ..

وأن لا أصيد المحارَ بشُطآن عينيكِ طيلةَ عامْ..

فكيف أقولُ كلاماً سخيفاً كهذا الكلامْ؟

وعيناكِ داري.. ودارُ السَلامْ.

وكيف سمحتُ لنفسي بجرح شعور الرخامْ؟

وبيني وبينكِ..

خبزٌ.. وملحٌ..

وسَكْبُ نبيذٍ.. وشَدْوُ حَمَامْ..

وأنتِ البدايةُ في كلّ شيءٍ..

ومِسْكُ الختامْ..

12

وعدتُكِ..

أنْ لا أعودَ .. وعُدْتْ..

وأنْ لا أموتَ اشتياقاً..

ومُتّ..

وعدتُ بأشياءَ أكبرَ منّي

فماذا بنفسي فعلتْ؟

لقد كنتُ أكذبُ من شدّة الصدقِ،

والحمدُ للهِ أنّي كذبتْ....

الأربعاء، 6 فبراير 2013

الإفتتاحية

إلى امرأة لا تُعاد
تُسمى . . مدينة حزني
إلى من تُسافر مثل السفينة في ماء عيني
وتدخل وقت الكتابة
ما بين صوتي وبيني
أُقدم موتي إليك .. على شكل شعر
فكيف تظنين أني أُغني؟

نزار قباني

صمت






هل تسمعينَ أشواقي
عندما أكونُ صامتاً؟
إنَّ الصمتَ، يا سَيِّدتي،
هو أقوى أسلحتي..
أفضل أن تصمتي وأنت في مملكتي
فالصمت أقوى تعبيراً من النطق
وأفضل من الكلام الهمس 

نزار قباني

القدس


بكيت.. حتى انتهت الدموع
صليت.. حتى ذابت الشموع
ركعت.. حتى ملّني الركوع
سألت عن محمد، فيكِ وعن يسوع

يا قُدسُ، يا مدينة تفوح أنبياء
يا أقصر الدروبِ بين الأرضِ والسماء
يا قدسُ، يا منارةَ الشرائع
يا طفلةً جميلةً محروقةَ الأصابع
حزينةٌ عيناكِ، يا مدينةَ البتول
يا واحةً ظليلةً مرَّ بها الرسول
حزينةٌ حجارةُ الشوارع
حزينةٌ مآذنُ الجوامع
يا قُدس، يا جميلةً تلتفُّ بالسواد
من يقرعُ الأجراسَ في كنيسةِ القيامة؟
صبيحةَ الآحاد..
من يحملُ الألعابَ للأولاد؟
في ليلةِ الميلاد..

يا قدسُ، يا مدينةَ الأحزان
يا دمعةً كبيرةً تجولُ في الأجفان
من يوقف الحجارة يا بلدي
من يوقفُ العدوان يا بلدي؟
عليكِ، يا لؤلؤةَ الأديان
من يغسل الدماءَ عن حجارةِ الجدران؟
من ينقذُ الإنجيل؟
من ينقذُ القرآن؟
من ينقذُ المسيحَ ممن قتلوا المسيح؟
من ينقذُ الإنسان؟

يا قدسُ.. يا مدينتي
يا قدسُ.. يا حبيبتي
غداً.. غداً.. سيزهر الليمون
وتفرحُ السنابلُ الخضراءُ والزيتون
وتضحكُ العيون..
وترجعُ الحمائمُ المهاجرة..
إلى السقوفِ الطاهره
ويرجعُ الأطفالُ يلعبون
ويلتقي الآباءُ والبنون
على رباك الزاهرة..

يا بلدي..
يا بلد السلام والزيتون

نزار قباني

متى يأتي؟



متى يأتي تُرى بَطلي ؟
لقد خبَأتُ في صدري
له، زوجاً من الحجَلِ
وقد خبَّأتُ في ثغري
له  كوزاً من العسلِ 
متى يأتي على فرسٍ
له، مجدولةِ الخُصلِ
ليخطفني
ليكسر بابَ مُعْتقلي
فمنذ طفولتي وأنا 
أمدُّ على شبابيكي 
حبال الشوقِ والأمل
وأجدلُ شعريَ الذهبيَّ كي يصعدْ 
على خُصلاتهِ .. بطلي 

نزار قباني

أعراس






كُلُّ قصائدي...
تزوَّجتْ والحمد للهْ 
ولم يبقَ عندي في البيتْ
قصيدةٌ واحدةٌ، لم يأتِ نصيبُها
لذلكَ يكرهني.. كلُّ من لَدَيْهْ
بِنْتٌ عانِسْ
أو قصيدةٌ عانِسْ..

نزار قباني

قارئة الفنجان


جلست .. والخوف بعينيها ..
تتأمل فنجاني المقلوب ..
قالت : يا ولدي لا تحزن ..
فالحب عليك هوا المكتوب..
فنجانك .. دنيا مُرعبه..
وحياتك أسفار وحروب ..
ستحب كثيرا وكثيرا..
وتموت كثيرا وكثيرا..
وستعشق كل نساء الأرض ..
وترجع كالملك المغلوب.,
بحياتك .. يا ولدي .. امراءة ..
عيناها .. سبحان المعبود ..
فمها .. مرسوم كالعنقود ..
ضحكتها .. موسيقي وورود ..
لكن سماءك ممطرة ..
وطريقك مسدود..
مسدود..
فحبيبه قلبك .. ياولدي .,
نائمة في قصر مرصود ..
والقصر كبيراً يا ولدي..
وكلاب تحرسه وجنود ..
وأميرة قلبك نائمة ..
من يدخل حجرتها مفقود ..
من يدنو ..
من سور حديقتها ..
مفقود .,

 من حاول فك ضفائرها ..
يا ولدي ..
مفقود ..
مفقود ..
 .. مفقود

 بصرتُ ..
ونجمتُ كثيراً .,
لكني .. لم اقرأ أبدا ..
فنجانا يشبه فنجانك ..
لم اعرف أبداً يا ولدي ..
أحزاناً ..
تشبه أحزانك ..
مقدورك أن تمشي أبدا ..
في الحب .. على حد الخنجر ..
وتظل وحيداً كالأصداف ..
وتظل حزيناً كـالصفصاف ..
مقدورك أن تمضي ابداً ..
في بحر الحب بغير قلوع ..
وتحب ملايين المرات ..
وترجع كالملك المخلوع ..
جلست .. والخوف بعينيها ..
تتأمل فنجاني المقلوب ..
قالت : ياولدي لا تحزن ..
فالحب عليك هوا المكتوب ..
نزار قباني

السيره الذاتية لسياف عربي


أيها الناس 
 ..لقد أصبحت سلطانا عليكم 
 فاكسروا أصنامكم بعد ضلال ، واعبدونى... 
 إننى لا أتجلى دائما.. 
  ..فاجلسوا فوق رصيف الصبر، حتى تبصرونى 
  ..اتركوا أطفالكم من غير خبز 
  واتركوا نسوانكم من غير بعل .. واتبعونى 
  ..إحمدوا الله على نعمته 
 فلقد أرسلنى كى أكتب التاريخ، 
  ..والتاريخ لا يكتب دونى 
  ,إننى يوسف فى الحسن 
  ..ولم يخلق الخالق شعرا ذهبيا مثل شعرى 
  ,وجبينا نبويا كجبينى 
  ..وعيونى غابة من شجر الزيتون واللوز 
  ..فصلوا دائما كى يحفظ الله عيونى 
 
أيها الناس
   ..أنا مجنون ليلى 
فابعثوا زوجاتكم يحملن منى.. 
  ..وابعثوا أزواجكم كى يشكرونى 
  ..شرف أن تأكلوا حنطة جسمى 
  ..شرف أن تقطفوا لوزى وتينى 
 شرف أن تشبهونى.. 
 ..فأنا حادثة ما حدثت 
منذ آلاف القرون.. 
 
 
أيها الناس  
أنا الأول والأعدل، 
والأجمل من بين جميع الحاكمين 
 وأنا بدر الدجى، وبياض الياسمين 
 وأنا مخترع المشنقة الأولى.. 
 كلما فكرت أن أعتزل السلطة، ينهانى ضميرى 
 من ترى يحكم بعدى هؤلاء الطيبين؟ 
 من سيشفى بعدى الأعرج، والأبرص، والأعمى.. 
ومن يحيى عظام الميتين؟ 
من ترى يخرج من معطفه ضوء القمر؟ 
من ترى يرسل للناس المطر؟ 
 من ترى يصلبهم فوق الشجر؟ 
 من ترى يرغمهم أن يعيشوا كالبقر؟ 
ويموتوا كالبقر؟ 
كلما فكرت أن أتركهم 
 فاضت دموعى كغمامة.. 
 وتوكلت على الله ... 
 وقررت أن أركب الشعب.. 
 من الآن.. الى يوم القيامه.. 
 
 أيها الناس 
أنا أملككم 
 كما أملك خيلى .. وعبيدى 
 وأنا أمشى عليكم مثلما أمشى على سجاد قصرى 
 فاسجدوا لى فى قيامى 
 واسجدوا لى فى قعودى 
 أولم أعثر عليكم ذات يوم 
 بين أوراق جدودى ؟؟ 
حاذروا أن تقرأوا أى كتاب 
فأنا أقرأ عنكم.. 
حاذروا أن تكتبوا أى خطاب 
فأنا أكتب عنكم.. 
حاذروا أن تسمعوا فيروز بالسر 
فإنى بنواياكم عليم 
حاذروا أن تدخلوا القبر بلا إذنى 
فهذا عندنا إثم عظيم 
والزموا الصمت، إذا كلمتكم 
فكلامى هو قرآن كريم.. 
  
أيها الناس  
أنا مهديكم ، فانتظرونى 
 ودمى ينبض فى قلب الدوالى، فاشربونى 
 أوقفوا كل الأناشيد التى ينشدها الأطفال 
 فى حب الوطن 
 فأنا صرت الوطنه. 
 إننى الواحد، والخالد ما بين جميع الكائنات 
 وأنا المخزون فى ذاكرة التفاح، والناى، 
 وزرق الأغنيات 
 إرفعوا فوق الميادين تصاويرى 
 وغطونى بغيم الكلمات 
 واخطبوا لى أصغر الزوجات سناً.. 
 فأنا لست أشيخ.. 
 جسدى ليس يشيخ.. 
 وسجونى لا تشيخ.. 
 وجهاز القمع فى مملكتى ليس يشيخ.. 
 
أيها الناس 
أنا الحجاج إن أنزع قناعى تعرفونى 
 وأنا جنكيز خان جئتكم.. 
 بحرابى .. وكلابى.. سوجونى 
 لاتضيقوا - أيها الناس - ببطشى 
 فأنا أقتل كى لاتقتلونى.... 
 وأنا أشنق كى لا تشنقونى.. 
 وأنا أدفنكم فى ذلك القبر الجماعى 
 لكيلا تدفونى.. 
 
أيها الناس 
اشتروا لى صحفا تكتب عنى 
 إنها معروضة مثل البغايا فى الشوارع 
 إشتروا لى ورقا أخضر مصقولاً كأشعاب الربيع 
 ومدادا .. ومطابع 
 كل شىء يشترى فى عصرنا .. حتى الأصابع.. 
 إشتروا فاكهة الفكر .. وخلوها أمامى 
 واطبخوا لى شاعرا، 
 واجعلوه، بين أطباق طعامى.. 
 أنا أمى.. وعندى عقدة مما يقول الشعراء 
 فاشتروا لى شعراء يتغنون بحسنى.. 
 واجعلونى نجم كل الأغلفة 
 فنجوم الرقص والمسرح ليسوا أبدا أجمل منى 
 فأنا، بالعملة الصعبة، أشرى ما أريد 
 أشترى ديوان بشار بن برد 
 وشفاه المتنبى، وأناشيد لبيد.. 
 فالملايين التى فى بيت مال المسلمين 
 هى ميراث قديم لأبى 
 فخذوا من ذهبى 
واكتبوا فى أمهات الكتب 
أن عصرى عصر هارون الرشيد... 
 
 يا جماهير بلادي  
ياجماهير الشعوب العربية 
 إننى روح نقى جاء كى يغسلكم من غبار الجاهلية 
 سجلوا صوتى على أشرطة 
 إن صوتى أخضر الايقاع كالنافورة الأندلسية 
صورونى باسما مثل الجوكندا 
ووديعا مثل وجه المدلية 
 صورونى... 
 وأنا أفترس الشعر بأسنانى.. 
 وأمتص دماء الأبجدية 
 صورونى 
 بوقارى وجلالى، 
 وعصاى العسكرية 
 صورونى.. 
 عندما أصطاد وعلا أو غزالا 
 صورونى.. 
 عندما أحملكم فوق أكتافى لدار الأبدية 
 يا جماهير الشعوب العربية... 
 
أيها الناس  
أنا المسؤول عن أحلامكم إذ تحلمون.. 
 وأنا المسؤول عن كل رغيف تأكلون 
 وعن العشر الذى - من خلف ظهرى - تقرأون 
 فجهاز الأمن فى قصرى يوافينى 
 بأخبار العصافير .. وأخبار السنابل 
 ويوافينى بما يحدث فى بطن الحوامل 
 
أيها الناس
 أنا سجانكم 
 وأنا مسجونكم.. فلتعذرونى 
 إننى المنفى فى داخل قصرى 
 لا أرى شمسا، ولا نجما، ولا زهرة دفلى 
 منذ أن جئت الى السلطة طفلا 
 ورجال السيرك يلتفون حولى 
 واحد ينفخ ناياً.. 
 واحد يضرب طبلا 
 واحد يمسح جوخاً .. واحد يمسح نعلا.. 
 منذ أن جئت الى السلطة طفلا.. 
 لم يقل لى مستشار القصر ..
 كلا
 لم يقل لى وزرائى أبدا لفظة .. 
كلا
 لم يقل لى سفرائى أبدا فى الوجه .. 
كلا
 لم تقل إحدى نسائى فى سرير الحب ..
 كلا 
 إنهم قد علمونى أن أرى نفسى إلها 
وأرى الشعب من الشرفة رملا.. 
 فاعذرونى إن تحولت لهولاكو جديد 
 أنا لم أقتل لوجه القتل يوما.. 
 إنما أقتلكم .. كى أتسلى..

نزار قباني
Blogger Gadgets